الاثنين، 26 ديسمبر 2011


بسم الله الرحمن الرحيم


اول ليلة في القبر

كيف هي ؟ أول ليلة في القبر


أديت صلاة الفجر يوم الجمعة في بيت الله الحرام ، وعقب الصلاة نُودي للصلاة على الأموات ، وهذا الأمر من أكثر الأمور إثارة لمشاعري ، ويُوقظ فؤادي ، تساقطت دموعي الحارة ، واختنقت العبرات في صدري ، تذكرت حال هذا المتوفي ، وأنه سيبيت هذه الليلة في قبره وحيداً فريداً .. تذكرت غفلتنا ، وكيف أننا فتحنا على أنفسنا مباحات الدنيا وملذاتها .
تذكرت جهلنا بالمصير وبالمــآل ، وجهلنا بالحشر والنشر ، وهول المطلع .
تذكرت غفلتنا عن أحوال البرزخ ، وسكرات الموت وشدتهــــا .
نظرت إلى الناس ، وتدبرت أحوالهم ، فمنهم من يخطط لمستقبله ، ومنهم من يعد لسفره ، ومنهم من شغل بدراسته ، ومنهم .. ومنهم .. أما تلك الحفرة فليس هناك من يخطط لها ـ إلا من رحم ربي ـ وقليل ماهم في عصر عمد فيه الطغاة المستبدون إالى أن يشربونا الذل ، فأماتوا الهمم ، وخمدوا الحمية ، حتى تحولت شبل الأسد إلى ظباء .
نظرت إلى النساء فإذا من انغماس في الترف ، على استسلام للشهوات ، إلى جري وراء الموضات تصاغرت هممهن ، فلم ينشغلن إلا بسفاسف الأمور ومحقراتها .
عدت إلى نفسي فتذكرت القبر ثانية ، تلك الحفرة الضيقة المظلمة ، سأنزل فيها رغم أنفي شئت أم أبيت لن أستطيع أن أمانع في ذلك الأمر ، لأنه أمر الله في ، ولاراد لقضائه وأمره ، فكرت " لو كان لدي حديقة في منزلي ، لحفرت بها حفرة مماثلة ، أضطجع فيها كلما رأيت من نفسي تقصيرا، ولهوا ، عسى أن تتوب ، فيخرج مافيها من خبث وغش ، وتشفى من أمراض فتورها .. تمنيت أن يُسمح لي بالوقوف علىقبر فأرى ساعة نزول الميت فيه فيغير ذلك من حالي.
تذكرت ( منكراً ونكير ) اللذان وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهما أسودان أزرقان ، أصواتهما كالرعد ، وبأيديهما مطرقة من حديد ، كيف بي إذا أقعداني واستجوباني ؛ تأملت في نفسي فإذا أنا ذات قلب رقيق لايقوى على رؤية المصابين من المسلمين ، لاأصبر على رؤية الجرحى والمنكوبين ، وأصحاب الحوادث والعاهات ، هاأنا يقشعر بدني لرؤية حشرة صغيرة ، لأن شكلها غريب ..
هانحن إذا أصبنا بمرض أو ألم ، فارقنا النوم ، وضاقت النفس ، وحل الاكتئاب ، كيف بي لو سُلط على العذاب في قبري ، أو سحبتني ملائكة العذاب إلى النار ، وما ربك بظلام للعبيد .
ـ عرفت الآن ياحبيب الله محمد ( عليك صلاة الله وسلامه ) لماذا قلت : ( لوددت أني شجرة تعضد ) .
ـ علمت الآن يا أبا بكر ( الصديق ) رضي الله عنك وأرضاك لماذا بكيت عندما رأيت الحمامة .. لأن ليس عليها جزاء ولا حساب .
ـ تيقنت الآن يا عمر (الفاروق) رضوان الله عليك ، لم كان في خديك خطان أسودان من كثرة البكاء .
ـ تبصرت الآن يا عبد الله بن عباس ( يا حبر الأمة ) لم كان أسفل عينيك مثل الشراك البالي من كثرة الدموع .
ـ الآن رق قلبي لكلامك يا علي بن أبي طالب رضي الله عنك وأرضاك وقد علاك كآبة وأنت تقلب يدك وتقول :
( لقد رأيت أصحاب رسول الله ، فلم أر شيئاً يشبههم ، لقد يصبحون شعثاً ، صفراً ، غبراً ، بين أعينهم
أمثال ركب المعزى ، وقد باتوا سجداً ، وقياماً يتلون كتاب اللــه ... وهملت أعينهم بالــــدموع حتى تُبل ثيابهم ، والله فكأني بالقوم باتوا غـــــافلين ، ثم قام رضوان الله عليه ، فما رؤي بعد ذلك ضاحكاً حتى ضربه ابن ملجم ) .
صلاة اللــه وسلامه عليك ياحبيب اللــه وعلى صحبك الأطهــار تسليمــاً كثيرا ـ فلقد كنتم تعيشون في عصر يسوده التواصي بالحق ، أما نحن فقد تأثرنـا من حيث لانريد بمسمـوعِِِِِ ومنظـور ، ألقتهـا عليناجميع أجناس الشياطين ، فخذلت هممــنا ، وأطفـأت أنوار بصائرنا ، وشلت طاقاتنــا ـ إلا من رحم ربي ـ فكما قيل : ( من المشاهد أن المـــاء والهواء يُفسدان بمجاورة الجيفــة ، فما الظن بالنفوس البشريــة )
أقول لنفسي ولأمثالي :
واحســرتا تقضى العـمــر وانصــرمت *** ساعــاتـــه بين ذل العجـــز والكســــل
والقوم قــد أخــذوا درب النجــاة وقــــد *** ســــاروا إلى المطلب الأعلى على مهل
لكن هناك فرج بإذن اللــه ـ تلك آيــة عظيمة في كتاب اللـــــه تبعث الأمــــل في رحمتك ياأرحم الراحمين :
( قل ياعبادي الذين أسرفـوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمــة اللــه إن اللــه يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم )
وهناك حديث يبعث الأمان في النفوس الضعيفة : يرويه الحبيب عليه أفضل الصلاة وأجل التسليم :
( إن الله كتب على نفسه بنفسه قبل أن يخلق الخلق " إن رحمتي سبقت غضبي " متفق عليه
اللهم إن نتوسل إليك بإيماننا ( الذين يقولون ربنا إننا آمنــا فاغفر لنا ذنوبنا وقنـــا عذاب النار )
اللهم آمن روعاتنا ، واستر عوراتنا ، واجعلنا ممن تتلقاهم الملائكة يوم الفزع الأكبر ـ تفضلاً منك ومنة وإحسانا ـ


شكرا اخوكم \ ايمن البربري

الأحد، 25 ديسمبر 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوعي اليوم عن الظلم
واخص ظلم النفس
ظلم النفس


يحفل القرآن الكريم بالآيات التي تتحدّث عن ظلم النفس كقوله تعالى : ( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة : 70 .

والسؤال هنا : كيف يظلم الإنسان نفسه ؟
ذلك أنّ الظلم نوع من الإساءة ، فكيف إذن يسيء الإنسان إلى نفسه ؟

والجواب : إنّ علّة الظلم تنجم عن أمرين هما : الغفلة والجهل .
صحيح

أنّ الظلم إساءة ، وأنّ الإنسان لا يريد الإساءة لنفسه ، ولكن هذا الأمر
يتحقّق إذا كان الإنسان قد شخّص المسألة ،
وأنّه فعل ذلك عمداً مع معرفته
ولو كان الأمر كذلك لما ظلم نفسه أبداً ،
غير أنّ الظلم يأتي أحياناً مع
تصوّره بأنّه يحسن إلى نفسه ،
فإذا به يلحق الظلم بها دون أن يدرك ذلك .
فكم

من ظالم لنفسه مسيء إليها وهو يتصوّر أنّه قدّم لنفسه الخير ،
ولكن وبسبب
جهله وعدم إدراكه تنقلب الأمور ،
وإذا الخير الذي نواه هو في الحقيقة شر
وظلم
قال تعالى : ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف : 104 .
كتب
رجل إلى أحد الصحابة يطلب منه موعظة ،
فكتب الصحابي في جواب رسالته :
( لا)
تسيء إلى أحب الخلق إليك ) ؛
ولم يفهم الرجل القصد من وراء هذه الموعظة ،
إذ كيف يسيء الإنسان إلى أحب الأشياء إليه ؟
فكتب إليه الصحابي :
( نعم )

نفسك التي بين جنبيك تسيء إليها وتظلمها لا عن عمدٍ ولكن عن غفلة وجهالة )
إنّ كل الذنوب والآثام التي يرتكبها البشر هي في الحقيقة
محاولات خاطئة لإيصال الخير إلى النفس ،
في حين أنّ المسألة على العكس ،
فهذه المحاولات الخاطئة مواقف عدائية تلحق الضرر بنفس الإنسان ؛
وإذن فعلة
الظلم إنّما تنشأ عن الجهالة والغفلة .

وهناك سبب آخر مهمّ أيضاً
فقد يرتكب الإنسان أحياناً ظلماً ويسيء إلى نفسه عمداً عن علم وإدراك ،
وهذا أمر يدعو إلى التعجّب ، ومن أجل فهم هذه الظاهرة نمهّد لذلك بمقدّمة
موجزة . يقول الفلاسفة : إنّ علل هذا العالم تنقسم إلى قسمين :

الأوّل
: علّة فاعلة والآخر منفعلة ، والعلّة الفاعلة هي المؤثّرة والمنفعلة هي
المتأثّرة ، فالرسّام الذي يرسم لوحة ما ، هو علّة مؤثّرة ، واللوحة علّة
متأثّرة ، فمن الرسّام الذوق والفكر والفن والمهارة ، ومن صفحة اللوحة
القابلية على تقبّل ذلك ، ولولا وجود هاتين العلّتين ما ظهرت اللوحة إلى
الوجود .
وهناك قاعدة أُخرى تقول : إنّ العلّة الفعالة المؤثّرة
مستقلة دائماً عن العلّة المتأثّرة ، وإنّه لا يوجد شيء يمكن أن يكون
فاعلاً ومنفعلاً في نفس الوقت . قد يعترض البعض على هذه القاعدة قائلين : كيف لا يمكن ذلك ونحن نشاهد الطبيب يمرض ، فيقوم بعلاج نفسه ومداواتها ؟ والجواب
: إنّ هناك التباساً وفهماً خاطئاً في هذه المسألة ، عندما يتصوّر المرء
أنّ الطبيب هذا يقوم بدور الفاعل والمنفعل ، ذلك أنّ الطبيب إنسان ،
والإنسان يضم جوانب مختلفة ، فهو من جهة جسم يتعرّض للمرض ، وفكر وعلم
وطبابة يعالج بها بدنه من جهة أخرى ، وإذن فالفاعل والمؤثّر هنا غير
المنفعل والمتأثّر .

والسؤال الذي يثار هنا هو : كيف يظلم الإنسان

نفسه فيصبح ظالماً ومظلوماً أيضاً ؟
إنّ الحالة هنا تشبه إلى حدّ ما حالة
الطبيب ، ذلك أنّ الإنسان يتألّف من عقل وشهوة ، فشهوته هنا تظلم عقله
وتسحق إرادته ، وتضرب حقّه عرض الجدار ، وإذن فإنّ إطاعة الشهوة والانقياد
لها ظلم للعقل والضمير والوجدان . فمثلاً يكذب البائع فيزيد في
قيمة بضاعته ، ويخدع المشتري فيكسب من وراء كذبه منفعة مالية يشتري بها
ثوباً أو رغيفاً من الخبز ، ولكنّه في نفس الوقت يكون قد وجّه صفعة إلى
وجدانه وضميره ، وذلك أنّهما لا يسوّغان الكذب وخداع الآخرين .
إنّ
الكذب يوجّه ضربة قوية للضمير ويضعفه ، وإذن فهو يظلم نفسه ، كذلك الظالم
فالذي يظلم الآخرين يظلم نفسه أيضاً ، ذلك أن قلبه يقسو وتغزوه الظلمة
ويملؤه التصدّع .
ولذا فإنّ القرآن ينعتهم دائماً بأنّهم
( ظالمون لأنفسهم ) ، فهم إمّا يظلمون أنفسهم عن جهل وغفلة ، أو عن طغيان يسحق
إرادة العقل ، ويدمّر إنسانية الإنسان .
شكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة منتظر تعليقاتكم
ايمن البربري