الأحد، 25 ديسمبر 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوعي اليوم عن الظلم
واخص ظلم النفس
ظلم النفس


يحفل القرآن الكريم بالآيات التي تتحدّث عن ظلم النفس كقوله تعالى : ( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة : 70 .

والسؤال هنا : كيف يظلم الإنسان نفسه ؟
ذلك أنّ الظلم نوع من الإساءة ، فكيف إذن يسيء الإنسان إلى نفسه ؟

والجواب : إنّ علّة الظلم تنجم عن أمرين هما : الغفلة والجهل .
صحيح

أنّ الظلم إساءة ، وأنّ الإنسان لا يريد الإساءة لنفسه ، ولكن هذا الأمر
يتحقّق إذا كان الإنسان قد شخّص المسألة ،
وأنّه فعل ذلك عمداً مع معرفته
ولو كان الأمر كذلك لما ظلم نفسه أبداً ،
غير أنّ الظلم يأتي أحياناً مع
تصوّره بأنّه يحسن إلى نفسه ،
فإذا به يلحق الظلم بها دون أن يدرك ذلك .
فكم

من ظالم لنفسه مسيء إليها وهو يتصوّر أنّه قدّم لنفسه الخير ،
ولكن وبسبب
جهله وعدم إدراكه تنقلب الأمور ،
وإذا الخير الذي نواه هو في الحقيقة شر
وظلم
قال تعالى : ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف : 104 .
كتب
رجل إلى أحد الصحابة يطلب منه موعظة ،
فكتب الصحابي في جواب رسالته :
( لا)
تسيء إلى أحب الخلق إليك ) ؛
ولم يفهم الرجل القصد من وراء هذه الموعظة ،
إذ كيف يسيء الإنسان إلى أحب الأشياء إليه ؟
فكتب إليه الصحابي :
( نعم )

نفسك التي بين جنبيك تسيء إليها وتظلمها لا عن عمدٍ ولكن عن غفلة وجهالة )
إنّ كل الذنوب والآثام التي يرتكبها البشر هي في الحقيقة
محاولات خاطئة لإيصال الخير إلى النفس ،
في حين أنّ المسألة على العكس ،
فهذه المحاولات الخاطئة مواقف عدائية تلحق الضرر بنفس الإنسان ؛
وإذن فعلة
الظلم إنّما تنشأ عن الجهالة والغفلة .

وهناك سبب آخر مهمّ أيضاً
فقد يرتكب الإنسان أحياناً ظلماً ويسيء إلى نفسه عمداً عن علم وإدراك ،
وهذا أمر يدعو إلى التعجّب ، ومن أجل فهم هذه الظاهرة نمهّد لذلك بمقدّمة
موجزة . يقول الفلاسفة : إنّ علل هذا العالم تنقسم إلى قسمين :

الأوّل
: علّة فاعلة والآخر منفعلة ، والعلّة الفاعلة هي المؤثّرة والمنفعلة هي
المتأثّرة ، فالرسّام الذي يرسم لوحة ما ، هو علّة مؤثّرة ، واللوحة علّة
متأثّرة ، فمن الرسّام الذوق والفكر والفن والمهارة ، ومن صفحة اللوحة
القابلية على تقبّل ذلك ، ولولا وجود هاتين العلّتين ما ظهرت اللوحة إلى
الوجود .
وهناك قاعدة أُخرى تقول : إنّ العلّة الفعالة المؤثّرة
مستقلة دائماً عن العلّة المتأثّرة ، وإنّه لا يوجد شيء يمكن أن يكون
فاعلاً ومنفعلاً في نفس الوقت . قد يعترض البعض على هذه القاعدة قائلين : كيف لا يمكن ذلك ونحن نشاهد الطبيب يمرض ، فيقوم بعلاج نفسه ومداواتها ؟ والجواب
: إنّ هناك التباساً وفهماً خاطئاً في هذه المسألة ، عندما يتصوّر المرء
أنّ الطبيب هذا يقوم بدور الفاعل والمنفعل ، ذلك أنّ الطبيب إنسان ،
والإنسان يضم جوانب مختلفة ، فهو من جهة جسم يتعرّض للمرض ، وفكر وعلم
وطبابة يعالج بها بدنه من جهة أخرى ، وإذن فالفاعل والمؤثّر هنا غير
المنفعل والمتأثّر .

والسؤال الذي يثار هنا هو : كيف يظلم الإنسان

نفسه فيصبح ظالماً ومظلوماً أيضاً ؟
إنّ الحالة هنا تشبه إلى حدّ ما حالة
الطبيب ، ذلك أنّ الإنسان يتألّف من عقل وشهوة ، فشهوته هنا تظلم عقله
وتسحق إرادته ، وتضرب حقّه عرض الجدار ، وإذن فإنّ إطاعة الشهوة والانقياد
لها ظلم للعقل والضمير والوجدان . فمثلاً يكذب البائع فيزيد في
قيمة بضاعته ، ويخدع المشتري فيكسب من وراء كذبه منفعة مالية يشتري بها
ثوباً أو رغيفاً من الخبز ، ولكنّه في نفس الوقت يكون قد وجّه صفعة إلى
وجدانه وضميره ، وذلك أنّهما لا يسوّغان الكذب وخداع الآخرين .
إنّ
الكذب يوجّه ضربة قوية للضمير ويضعفه ، وإذن فهو يظلم نفسه ، كذلك الظالم
فالذي يظلم الآخرين يظلم نفسه أيضاً ، ذلك أن قلبه يقسو وتغزوه الظلمة
ويملؤه التصدّع .
ولذا فإنّ القرآن ينعتهم دائماً بأنّهم
( ظالمون لأنفسهم ) ، فهم إمّا يظلمون أنفسهم عن جهل وغفلة ، أو عن طغيان يسحق
إرادة العقل ، ويدمّر إنسانية الإنسان .
شكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة منتظر تعليقاتكم
ايمن البربري

ليست هناك تعليقات: